كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والفصل: هو الذي يفصل بعض تلك الحقائق المشتركة في الجنس عن بعض سبحان رب السماوات والأرض وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا.
وسنبين لك أن جميع الصفات على تقسيمهم لها جاء في القرآن وصف الخالق والمخلوق بها، وهم في بعض ذلك يقرون بأن الخالق موصوف بها، وأنها جاء في القرآن أيضًا وصف المخلوق بها، ولكن وصف الخالق مناف لوصف المخلوق، كمنافاة ذات الخالق لذات المخلوق، ويلزمهم ضرورة فيما أنكروا مثل ما أقروا به لأن الكل من باب واحد، لأن جميع صفات الله جل وعلا من باب واحد، لأن المتصف بها لا يشبهه شيء من الحوادث.
فمن ذلك: الصفات السبع. المعروفة عندهم بصفات المعاني وهي: القدرة، والإرادة، والعلم، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام.
فقد قال تعالى في وصف نفسه بالقدرة: {والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284].
وقال في وصف الحادث بها: {إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 34] فأثبت لنفسه قدرة حقيقية لائقة بجلاله وكماله، وأثبت لبعض الحوادث قدرة مناسبة لحالهم من الضعف والافتقار والحدوث والفناء، وبين قدرته، وقدرة مخلوقه من المنافاة ما بين ذاته وذات مخلوقه.
وقال في وصف نفسه بالإرادة: {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [هود: 107]، {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [يس: 82]، {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر} [البقرة: 185]، ونحو ذلك من الآيات.
وقال في وصف المخلوق بها: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} [الأنفال: 67] الآية {إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا} [الأحزاب: 13]، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله} [الصف: 8]، ونحو ذلك من الآيات.
فله جل وعلا إرادة حقيقية لائقة بكماله وجلاله، وللمخلوق إرادة أيضًا مناسبة لحاله، وبين إرادة الخالق والمخلوق من المنافاة ما بين ذات الخالق والمخلوق.
وقال في وصف نفسه بالعلم: {والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 282]، {لكن الله يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] الآية {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} [الأعراف: 7]. وقال في وصف الحادث به: {قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ} [الذاريات: 28]، وقال: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف: 68] ونحو ذلك من الآيات.
فله جل وعلا علم حقيقي لائق بكماله وجلاله، وللمخلوق علم مناسب لحاله، وبين علم الخالق والمخلوق من المنافاة ما بين ذات الخالق والمخلوق.
وقال في وصف نفسه بالحياة: {الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ} [غافر: 65] الآية. {وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ} [الفرقان: 58]، ونحو ذلك من الآيات.
وقال في وصف المخلوق بها: {وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًا} [مريم: 15]، {وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30]، {يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت وَيُخْرِجُ الميت مِنَ الحي} [يونس: 31].
فله جل وعلا حياة حقيقية تليق بجلاله وكماله، وللمخلوق أيضًا حياة مناسبة لحاله. وبين حياة الخالق والمخلوق من المنافاة ما بين ذات الخالق والمخلوق.
وقال في وصف نفسه بالسمع والبصر: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السميع البصير} [الشورى: 11]، {وَأَنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: 61] ونحو ذلك من الآيات.
وقال في وصف الحادث بهما: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان: 2]، {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} [مريم: 38] الآية ونحو ذلك من الآيات.
فله جل وعلا سمع وبصر حقيقيان يليقان بكماله وجلاله، وللمخلوق سمع وبصر مناسبان لحاله. وبين سمع الخالق وبصره، وسمع المخلوق وبصره من المنافاة ما بين ذات الخالق والمخلوق.
وقال في وصف نفسه بالكلام: {وَكَلَّمَ الله موسى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]، {إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي} [الأعراف: 144]، {فَأَجِرْهُ حتى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله} [التوبة: 6] ونحو ذلك من الآيات.
وقال في وصف المخلوق به: {فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ اليوم لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ} [يوسف: 54]. {اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ} [يس: 65] {قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيًّا} [مريم: 29]، ونحو ذلك من الآيات.
فله جل وعلا كلام حقيقي يليق بكماله وجلاله. وللمخلوق كلام أيضًا مناسب لحاله. وبين كلام الخالق والمخلوق من المنافاة ما بين ذات الخالق والمخلوق.
وهذه الصفات السبع المذكورة يثبتها كثير ممن يقول بنفي غيرها من صفات المعاني.
والمعتزلة ينفونها ويثبتون أحكامها فيقولون: هو تعالى حي قادر، مريد عليم، سميع بصير، متكلم بذاته لا بقدرة قائمة بذاته، ولا إرادة قائمة بذاته هكذا فرارًا منهم من تعدد القديم.
ومذهبهم الباطل لا يخفى بطلانه وتناقضه على أدنى عاقل. لأن من المعلوم أن الوصف الذي منه الاشتقاق إذا عدم فالاشتقاق منه مستحيل فإذا عدم السواد عن جرم مثلًا استحال أن تقول هو أسود، إذ لا يمكن أن يكون أسود ولم يقم به سواد، وكذلك إذا لم يقم العلم والقدرة بذات، استحال أن تقول: هي عالمة قادرة لاستحالة اتصافها بذلك، ولم يقم بها علم ولا قدرة. قال في مراقي السعود:
وعند فقد الوصف لا يشتق ** وأعوز المعتزلي الحق

وأما الصفات المعنوية عندهم: فهي الأوصاف المشتقة من صفات المعاني السبع المذكورة، وهي كونه تعالى: قادرًا، مريدًا عالمًا حيًا، سميعًا بصيرًا، متكلمًا.
والتحقيق أنها عبارة عن كيفية الإتصاف بالمعاني، وعد المتكلمين لها صفات زائدة على صفات المعاني، مبني على ما يسمونه الحال المعنوية. زاعمين أنها أمر ثبوتي ليس بموجود، ولا معدوم. والتحقيق الذي لا شك فيه أن هذا الذي يسمونه الحال المعنوية. زاعمين أنها أمر ثبوتي ليس بموجود، ولا معدوم. والتحقيق الذي لا شك فيه أن هذا الذي يسمونه الحال المعنوية لا أصل له، وإنما هو مطلق تخييلات يتخيلونها. لأن العقل الصحيح حاكم حكمًا لا يتطرقه شك بأنه لا واسطة بين النقيضين البتة. فالعقلاء كافة مطبقون على أن النقيضين لا يجتمعان، ولا يرتفعان، ولا واسطة بينهما البتة، فكل ما هو غير موجود، فإنه معدوم قطعًا، وكل ما هو غير معدوم، فإنه موجود قطعًا، وهذا مما لا شك فيه كما ترى.
وقد بينا في اتصاف الخالق والمخلوق بالمعاني المذكورة منافاة صفة الخالق للمخلوق، وبه تعلم مثله في الاتصاف بالمعنوية المذكورة لو فرضنا أنها صفات زائدة على صفات المعاني. مع أن التحقيق أنها عبارة عن كيفية الاتصاف بها.
وأما الصفات السلبية عندهم: فهي خمس، وهي عندهم: القدم، والبقاء، والوحدانية، والمخالفة للخلق، والغنى المطلق، المعروف عندهم بالقيام بالنفس.
وضابط الصفة السلبية عندهم: هي التي لا تدل بدلالة المطابقة على معنى وجودي أصلًا، إنما تدل على سلب ما لا يليق بالله عن الله.
أما الصفة التي تدل على معنى وجودي: فهي المعروفة عندهم بصفة المعنى، فالقدم مثلًا عندهم لا معنى له بالمطابقة، إلا سلب العدم السابق، فإن قيل: القدرة مثلًا تدل على سلب العجز، والعلم يدل على سلب الجهل، والحياة تدل على سلب الموت، فلم لا يسمون هذه المعاني سلبية أيضًا؟
فالجواب: أن القدرة مثلًا تدل بالمطابقة على معنى وجودي قائم بالذات، وهو الصفة التي يتأتى بها إيجاد الممكنات وإعدامها على وفق الإرادة، وإنما سلبت العجز بواسطة مقدمة عقلية، وهي أن العقل يحكم بأن قيام المعنى الوودي بالذات يلزمه نفي ضده عنها لاستحالة اجتماع الضدين عقلًا، وهكذا في باقي المعاني.
أما القدم عندهم مثلا: فإنه لا يدل على شيء زائد على ما دل عليه الوجود، إلا سلب العدم السابق، وهكذا في باقي السلبيات، فإذا عرفت ذلك فاعلم أن القدم. والبقاء اللذين يصف المتكلمون بهما الله تعالى زاعمين، أنه وصف بهما نفسه في قوله تعالى: {هُوَ الأول والآخر} [الحديد: 3] الآية، جاء في القرآن الكريم وصف الحادث بهما أيضًا، قال في وصف الحادث بالقدم: {والقمر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حتى عَادَ كالعرجون القديم} [يس: 39]، وقال: {قَالُواْ تالله إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ القديم} [يوسف: 95]، وقال: {أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأقدمون} [الشعراء: 75-76]، وقال في وصف الحادث بالبقاء: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الباقين} [الصافات: 77]، وقال: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ} [النحل: 96]، وكذلك وصف الحادث بالأولية والآخرية المذكورتين في الآية. قال: {أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخرين} [المرسلات: 16-17]، ووصف نفسه بأنه واحد، قال: {وإلهكم إله وَاحِدٌ} [البقرة: 163]، وقال في وصف الحادث بذلك. {يسقى بِمَاءٍ وَاحِدٍ} [الرعد: 4] وقال في وصف نفسه بالغنى، {والله هُوَ الغني الحميد} [فاطر: 15]، {وَقَالَ موسى إِن تكفروا أَنتُمْ وَمَن فِي الأرض جَمِيعًا فَإِنَّ الله لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ} [إبراهيم: 8]، وقال في وصف الحادث بالغنى: {وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6] الآية، {إِن يَكُونُواْ فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ الله} [النور: 32] الآية، فهو جل وعلا موصوف بتلك الصفات حقيقة على الوجه اللائق بكماله وجلاله، والحادث موصوف بها أيضًا على الوجه المناسب لحدوثه وفنائه، وعجزه وافتقاره، وبين صفات الخالق والمخلوق من المنافاة ما بين ذات الخالق والمخلوق، كما بيناه في صفات المعاني.
وأما الصفة النفسية عندهم: فهي واحدة، وهي الوجود، وقد علمت ما في إطلاقها على الله، ومنهم من جعل الوجود عين الذات فلم يعده صفة، كأبي الحسن الأشعري، وعلى كل حال، فلا يخفى أن الخالق موجود، والمخلوق موجود، ووجود الخالق ينافي وجود المخلوق، كما بينا.
ومنهم من زعم أن القدم والبقاء صفتان نفسيتان، زاعما أنهما طرفا الوجود الذي هو صفة نفسية في زعمهم.
وأما الصفات الفعلية، فإن وصف الخالق والمخلوق بها كثير في القرآن، ومعلوم أن فعل الخالق مناف لفعل المخلوق كمنافاة ذاته لذاته، فمن ذلك وصفه جل وعلا نفسه بأنه يرزق خلقه، قال: {إِنَّ الله هُوَ الرزاق} [الذاريات: 58] الآية، {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرازقين} [سبأ 39]، وقال: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا} [هود: 6] الآية. وقال في وصف الحادث بذلك: {وَإِذَا حَضَرَ القسمة أُوْلُواْ القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم مِّنْهُ} [النساء: 8] الآية، وقال: {وَعلَى المولود لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: 233] الآية، ووصف نفسه بالعمل، فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعامًا} [يس: 71] الآية، وقال في وصف الحادث به: {جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] ووصف نفسه بتعليم خلقه فقال: {الرحمن عَلَّمَ القرآن خَلَقَ الإنسان عَلَّمَهُ البيان} [الرحمن: 1-4].
وقال في وصف الحادث به: {هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكتاب والحكمة} [الجمعة: 2] الآية.
وجمع المثالين في قوله تعالى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله} [المائدة: 4]، ووصف نفسه بأنه ينبئ، ووصف المخلوق بذلك، وجمع المثالين في قوله تعالى: {وَإِذَ أَسَرَّ النبي إلى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ الله عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هذا قَالَ نَبَّأَنِيَ العليم الخبير} [التحريم: 3]. ووصف نفسه بالإيتاء، فقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الذي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ الله الملك} [البقرة: 258]، وقال: {يُؤّتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ} [البقرة: 269]، وقال: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3]، وقال: {ذلك فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ} [المائدة: 54].
وقال في وصف الحادث بذلكك {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} [النساء: 20]، {وَآتُواْ اليتامى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2]، {وَآتُواْ النساء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4]. وأمثال هذا كثيرة جدًّا في القرآن العظيم.
ومعلوم أن ما وصف به الله من هذه الأفعال فهو ثابت له حقيقة على الوجه اللائق بكماله وجلاله. وما وصف به المخلوق منها فهو ثابت له أيضًا، على الوجه المناسب لحاله، وبين وصف الخالق والمخلوق من المنافاة ما بين ذات الخالق والمخلوق.